أبعاد النجوم

أبعاد النجوم

ظن الفلاسفة اليونان في الفترة القريبة من ميلاد السيد المسيح عليه السلام أن الأرض مسطحة الشكل وأنها مركز الكون أي أن القمر والشمس والكواكب الثابتة "النجوم" والكواكب المتجولة" الكواكب السيارة" تدور حول الأرض، كما ظنوا أيضا أن النجوم الثابتة والمتحركة عبارة عن ثقوب صغيرة وقريبة من الأرض تسمح للإضاءة من خلفها التي مصدرها نار ضخمة بالمرور من خلال هذه الثقوب فتظهر على شكل نقاط مضيئة في السماء .

لكن مع تطور العلوم الفلكية على مر التاريخ والعصور اكتشف الفلكيون أن الأرض ليست مركز الكون وإنما هي عبارة عن كوكب مثل الكواكب المتحركة تدور حول الشمس، كما عرف أيضا أن الشمس أيضا ليست مركز الكون بل هي نجم واحد من حوالي 400 ألف مليون نجم – 400 مليار – تشترك في مجموعة واحدة تسمى " المجرة " والمجرة التي تنتمي إليها شمسنا والتي نحن جزء منها تسمى " مجرة درب التبانة "، ومع تطور العلوم الفلكية وأجهزة الرصد الفلكي فقد تم اكتشاف عدد هائل من المجرات التي تحوي بلايين النجوم في كل منها، ولا زال العلم الحديث غير قادر على معرفة عدد المجرات في الكون لان قدرة مراصدنا الفلكية المتطورة لا ترينا سوى جزء بسيط من الكون الفعلي!

وحتى يعرف الفلكيون حجم الكون الذي نراه بعيوننا فقد اخذوا يقيسون بعد النجوم عنا مستخدمين وحدة الكيلو متر المعروفة فإذا بهم يفاجئون بأرقام كبيرة لا يمكن قراءتها، فمثلا يبعد القمر عن الأرض 384401 كيلو متر، وتبعد الأرض عن الشمس 150 مليون كيلو متر، لكن عندما قاس الفلكيون بعد اقرب نجم إلينا " ألفا قنطورس " وإذا به يبعد عنا حوالي ( 43000000000000 ) كيلو مترا ! وهذا الرقم لأقرب نجم منا لا يمكن قراءته فكيف بنا نقيس بعد النجوم هائلة البعد في المجرة أو بعد المجرات الأخرى ؟

على اثر ذلك فقد استخدم الفلكيون وحدة جديدة لقياس أبعاد النجوم وهي " السنة الضوئية"

Light-Yearوهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة أرضية واحدة وتساوي 9،6 مليون مليون كيلو متر، علما أن الضوء يقطع مسافة 300 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة أي يدور حول الأرض حوالي 8 مرات خلال الثانية الواحدة، وعندما نقيس بعد القمر بسرعة الضوء نقول أن القمر يبعد عن الأرض 1،3 ثانية ضوئية، والشمس تبعد عن الأرض حوالي 8 دقائق وثلث ضوئية، واقرب النجوم إلينا " ألفا قنطورس " يبعد عنا 4،4 سنة ضوئية أي أن الضوء يحتاج إلى أربع سنوات وأربعة شهور لقطع المسافة بين الشمس واقرب النجوم إليها. والمع نجم في السماء هو "الشعرى اليمانية" ويبعد 9 سنوات ضوئية، ويصل قطر مجرتنا درب التبانة إلى 100 ألف سنة ضوئية، وأقرب المجرات إلينا هي مجرة " المرأة المسلسلة " أو الاندروميدا وتبعد 2 مليون و 250 ألف سنة ضوئية، أما قطر الكون المنظور أي الذي يمكن أن تراه مراصدنا فيصل إلى 300 مليار سنة ضوئية، وما بعد ذلك فلا ندري ماذا يوجد، والله تعالى اعلم !

إن أبعاد النجوم الهائل عن بعضها البعض يعني إن الضوء الذي يمتلك أعلى سرعة في الكون كما أقرت النسبية في الفيزياء الحديثة يحتاج إلى وقت طويل جدا مثل مئات وآلاف وملايين ومليارات السنين لقطع المسافة بين النجوم والمجرات، إن هذا يعني أيضا أن صورة السماء والنجوم التي نراها خلال فترة محددة من الزمن ليست الصورة الحالية بل هي من الماضي لان الضوء الصادر من هذه المجرات احتاج إلى عشرات ومئات وآلاف السنين للوصول إلينا، فمثلا ذكرت أن نجم الشعرى اليمانية يبعد عن الأرض 9 سنوات ضوئية، وعندما ننظر إلى هذا النجم فان صورته التي نراها هي الصورة التي كان عليها هذا النجم قبل 9 سنوات، ولو افترضنا أن هذا النجم انفجر الآن فإننا لا نرى هذا الانفجار إلا بعد مرور 9 سنوات وهي المدة التي يحتاجها الضوء الذي حمل صورة انفجار النجم ووصل إلينا لنراه بعيوننا.

ولان كل النجوم تبعد عنا عشرات ومئات وآلاف السنين الضوئية لذلك فان صورة السماء التي نراها الآن ليست الصورة الحالية للسماء بل هي الصورة التي كانت عليها قبل عشرات ومئات السنين، أي بلغة أخرى أقول أننا نرى الماضي !

إن هذه المعلومات التي تحدثت عنها حول رؤيتنا للماضي في صورة السماء تقودنا إلى معنى خطير، فإذا كنا نرى الماضي فهذا يعني أن مواقع النجوم في السماء يتغير من فترة لأخرى، وذلك لان النجوم التي نراها تحركت مع تحرك المجرة وغيرت مكانها إلا أننا لم نلمس ذلك لان الضوء الذي يحمل صورة تغير مكان النجم لم يصلنا بعد وعلى اثر ذلك فان النجوم تغير موقعها دون أن ندري !

أما الموضوع الأخر والخطير أيضا هو أن مواقع النجوم والمجرات في الكون ليس هو الموقع الحقيقي الذي نراه بها وهذا ما أثبتته نظرية النسبية في بدايات القرن العشرين التي وضعها " ألبرت اينشتاين " أشهر علماء الفيزياء عبر التاريخ. فمن ضمن قوانين النظرية النسبية أن الضوء ينحني حول الكتل الكبيرة مثل النجوم والمجرات بسبب تأثير جاذبية النجم أو المجرة على مسار الضوء، وعليه فإذا مر الضوء بجانب نجم معين فان الضوء لا يتابع سيره الذي كان عليه بل ينحني بنسبة معينة وبحسب كتلة النجم، وكلما كانت كتلة النجم اكبر كلما كان الانحناء اكبر . إن هذه العملية الفيزيائية تشبه إلى حد كبير عمل العدسات المحدبة التي تحني الضوء إذا اخترقها.

ولان ضوء النجوم الذي يصلنا إلى الأرض قد مر بجانب عدد كبير من النجوم وانحنى أكثر من مرة حتى وصلنا لذلك فان موقع النجم في السماء ليس الموقع الحقيقي في المجرة وإنما له موقع آخر لا نعلمه !

إن هذه المعلومات القيمة جدا التي توصل إليها العلم الحديث والتي تتوافق مع ما اقسم به الله تعالى – وهو الغني عن القسم – حول مواقع النجوم نستدل من خلالها على أهمية القسم من الخالق عز وجل ونتفهم السبب الذي استحقت عليه مواقع النجوم القسم بها من ملك الملوك، وهذا بلا شك يوضح الإعجاز الذي جاء به القران الذي انزل على محمد خاتم النبيين، وهل هنالك من يستطيع أن يحرف القران الكريم وهو خارج علم وقدرة البشر ؟ وصدق الله تعالى في كتابه حين قال : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القران لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) –